تتردد كلمة العقيدة على ألسنة الناس وفي محاوراتـهم ومحادثاتهم كثيراً ، فنراهم يقولون : (( أنا أعتقد كذا ، وفلان عقيدته حسنة ، والعقيدة الإسلامية السبب الأقوى الذي أدى إلى الانتصارات الإسلامية العظيمة في كلّ زمان ومكان ، والحرب بيننا وبين اليهود حرب عقائدية في حقيقتها ... )) .
فماذا يريد الناس من كلمة (عقيدة) ؟ وما معنى هذه الكلمة في اللغة ؟ وما مفهومها في الشرع ؟ .
العقائد هي الأمور التي تصدق بها النفوس ، وتطمئن إليها القلوب ، وتكون يقيناً عند أصحابها ، لا يمازجها ريب ولا يخالطها شك . (1)
و ((عَقْد الحبل)) شدّ بعضه ببعض نقيض حله ، ومادة ((عقد)) في اللغة مدارها على اللزوم والتأكد والاستيثاق ، ففي القرآن : ( لا يؤاخذكم الله باللَّغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما عقَّدتم الأيمان ) [ المائدة : 89] ، وتعقيد الأيمان إنما يكون بقصد القلب وعزمه ، بخلاف لغو اليمين التي تجري على اللسان بدون قصد .
و ((العقود)) : أوثق العهود ، ومنه قوله تعالى : ( يا أيها الذين آمَنُواْ أوفوا بالعقود) [ المائدة : 1] ، وتقول العرب : " اعتقد الشيء : صلب واشتدّ " . (2)
والعقيدة في الإسلام تقابل الشريعة ، إذ الإسلام عقيدة وشريعة ، والشريعة تعني التكاليف العملية التي جاء بها الإسلام في العبادات والمعاملات .
المبحث الثاني
العقائد علميّة قلبيّة
والعقيدة ليست أموراً عملية ، بل أمور علمية يجب على المسلم أن يعتقدها في قلبه ، لأنّ الله أخبره بها بطريق كتابه ، أو بطريق وحيه إلى رسوله صلى الله عليه وسلم .
وأصول العقائد التي أمرنا الله باعتقادها هي المذكورة في قوله تعالى : ( آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين أحد من رسله وقالوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير ) [البقرة : 285] ، وحدّدها الرسول صلى الله عليه وسلم في حديث جبريل المشهور بقوله : ( الإيمانُ : أن تؤمن بالله ، وملائكته ، وكتابه ، ولقائه ، ورسله ، وتؤمن بالبعث الآخر ) (3) . إذن العقيدة في الإسلام : هي المسائل العلمية التي صح بها الخبر عن الله ورسوله ، والتي يجب أن ينعقد عليها قلب المسلم تصديقاً لله ورسوله .
المبحث الثالث
العقيدة يقين لا تقبل الشك
وحتى تصبح هذه الأصول عقيدة لا بد أن نصدق بها تصديقاً جازماً لا ريب فيه ، فإن كان فيها ريب أو شك كانت ظناً لا عقيدة ، يقول صاحب المعجم الوسيط : (( العقيدة : الحكم الذي لا يقبل الشك فيه لدى معتقده )) (4) ، والدليل على ذلك قوله تعالى : ( إنَّما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله ثمَّ لم يرتابوا ) [الحجرات : 15] ، وقال : ( آلم - ذلك الكتاب لا ريب فيه ) [ البقرة : 1-2 ] ، وقال : ( ربَّنا إنَّك جامع النَّاس ليومٍ لا ريب فيه ) [ آل عمران : 9] ، وذم المشركين المرتابين : ( وارتابت قلوبهم فهم في ريبهم يتردَّدون ) [ التوبة : 45 ] .
المبحث الرابع
المعتقدات غيب غير منظور
ويلاحظ أن المسائل التي يجب اعتقادها أمور غيبية ، ليست مشاهدة منظورة ، وهي التي عناها اله بقوله عندما مدح المؤمنين ( الذين يؤمنون بالغيب ) [البقرة : 3] .
فالله غيب ، وكذلك الملائكة واليوم الآخر ، أما الكتب والرسل فقد يتبادر أنّها تشاهد وتنظر ، ولكنّ المراد هو الإيمان بنسبتها إلى الله ، أي كون الرسل مبعوثين من عند الله ، وأن الكتب منزلة من عند الله ، وهذا أمر غيبي .
المبحث الخامس
العقيدة الصحيحة والعقيدة الفاسدة
العقيدة ليست مختصة بالإسلام ، بل كل ديانة أو مذهب لا بدّ لأصحابه من عقيدة يقيمون عليها نظام حياتهم ، وهذا ينطبق على الأفراد كما ينطبق على الجماعات ، والعقائد منذ بدء الخليقة وإلى اليوم ، وإلى أن يرث الله الأرض ومن عليها قسمان :
الأول : يمثل العقيدة الصحيحة ، وهي تلك العقائد التي جاءت بها الرسل الكرام ، وهي عقيدة واحدة ، لأنها منزلة من العليم الخبير ، ولا يتصور أن تختلف من رسول إلى رسول ومن زمان إلى زمان .
والقسم الثاني : يشمل العقائد الفاسدة على كثرتها وتعددها ، وفسادها ناشئ من كونها نتاج أفكار البشر ، ومن وضع عقلائهم ومفكريهم ، ومهما بلغ البشر من عظم الشأن فإن علمهم يبقى محدوداً مقيداً بقيود متأثراً بما حولهم من عادات وتقاليد وأفكار .
وقد يأتي فساد العقيدة من تحريفها ، وتغييرها وتبديلها ، كما هو الحال بالنسبة للعقيدة اليهودية والنصرانية في الوقت الحاضر ، فإنهما حُرّفتا منذ عهد بعيد ، ففسادهما كان من هذا التحريف ، وإن كانت واحدة منهما عقيدة سليمة في الأصل .
أين العقيدة الصحيحة اليوم ؟
العقيدة الصحيحة اليوم لا توجد إلا في الإسلام ، لأنّه الدين المحفوظ الذي تكفل الله بحفظه ( إنَّا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون) [الحجر :9] والعقائد في غير الإسلام ، وإن كان في بعضها نتف من الحق ، فإنها لا تمثل الحق ولا تجليه .
فمن أراد أن يعرف العقيدة السليمة فإنه لن يجدها في اليهودية ، ولا في النصرانية ، ولا في كلام الفلاسفة ... ، وإنما يجدها في الإسلام في أصليه : الكتاب والسنة ، نديّة طريّة صافية مشرقة ، تقنع العقل بالحجة والبرهان ، وتملأ القلب إيماناً ويقيناً ونوراً وحياة : ( وكذلك أوحينا إليك روحاً من أمرنا ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان ولكن جعلناه نوراً نَّهدي به من نشاء من عبادنا ) [الشورى : 52] .